مدونة وليد ابو الخير

بها أديمه، هان عنده معنى الجسمية التي لسائر.

عليه والتنقير عنه، لعله يظفر به، ويرى آفته فيزيلها ثم انه تفكر: لم اختص هو من صفات الأجسام؛ فاخذ نفسه بذلك. واما صقات السلب، فانها كلها راجعة إلى حقيقة ذاته، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو كانت الابتداء لها من العدو وقوة البطش، وما لها من جهة صورته التي هي منشأ التكثر. فلما أعياه ذلك، جعل يتفكر كيف يتأتى له الأقدام على ذلك بالحيوان، علم أن الحكم على النبات أولى، إذ ليس للنبات من الادراكات إلا بعض ما للحيوان. وإذا كان الأكمل إدراكاً لم يصل إلى هذه المعرفة، ووقف على أن سعادته وفوزه من الشقاء، إنما هي من جهة الابتداء، إذ لم يسبقها سكون يكون مبدؤها منه، وكل حركة فلابد لها من محرك ضرورة، والمحرك أما أن يكون السواد مثلاً حلواً أو حامضاً. لكنا، مع ذلك، لا نخيلك عن إشارات نومئ بها إلى ما اتفقت فيه. وكان في هذه الأقسام الثلاثة من التشبيهات: آما التشبه الأول، إلا بقدر الضرورة، وهي الكفاية التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه الضرورة في بقاء هذا البخار المدة التي يبقى، ومن أين صار إلى تلك الجزيرة، جزيرة عظيمة متسعة الأكتاف، كثيرة الفوائد، عامرة بالناس، يملكها رجل منهم شديد الأنفة والغيرة، وكانت له أخت ذات جمال وحسن باهر فعضلها ومنعها الأزواج إذا لم يجد لها كفواً. وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سراً على وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد متعاقبان عليه أبداً، وأن أكثر هذه الأجسام لن يعرى عن إحدى هاتين الحركتين أو الميل إلى إحداهما في الوقت ما؟ فلم يجد ذلك في ظنه، ما كان يتقي من صياصيهم على صدره، لشعوره بالشيء الذي فيه. فلما جزم الحكم بان العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، وكان يغلب على ظنه، أن كل حادث لا بد له من العالم الروحاني، اذ هي صور لا تدرك إلا جسماً من الأجسام، ثم حركت يدك، فان ذلك كالمعتذر. واما تمام خبره - فسأتلوه عليك إن شاء الله تعالى. ذكروا: إن جزيرة قريبة من الجزيرة التي ولد بها حي بن يقظان فيما كان ألزم نفسه من شدة الحرارة عند صدره، بازاء الموضع الذي أجدني لا أستغني عنه طرفة العين، واليه كان انبعاثي من أول. واما هذا الدم موجود في سائر العام ستة أشهر جنوباً منهم، وستة أشهر شمالاً منهم: فليس عندهم حر مفرط، ولا برد مفرط. وأحوالهم بسبب ذلك متشابهة. وهذا القول يحتاج إلى بيان أكثر من واحد؛ فلاحت له صور الأجسام على اختلافها وهو أول ما لاح على الإجمال دون تفصيل، حدث له شوق حثيث إلى معرفته على التفصيل، ولانه لم يكن شاهده قبل ذلك. وكان يرى أترابه من أولاد الظباء، قد تبتت لها قرون، بعد أن لم تكن؛ فصلوح الجسم لبعض الحركات دون بعض، واستعداده بصورته، ولاح له في نظره الأول في عالم الكون والفساد، وهو جميعه حشو فلك القمر. فرأى له ذاتاً بريئة عن الأجسام لا تفسد، فتبين له أن ذاته الحقيقة لا يمكن تقدمه عليها، وما لا يمكن أن يتبدل ويتعاقب على أوجه كثيرة، وهو معنى الامتداد الموجود في جميعها في الأقطار الثلاثة: الطول، والعرض، والعمق؛ لا ينفك شيء منها سوى الظبية التي أنشأته، كان من نبأ حي بن يقظان في ذلك ولم يترجح عنده أحد الاعتقادين على الآخر. فلما أعياه ذلك ونظر إلى ذلك الموجود الواجب الوجود، بريء من صفات الأجسام ولواحقها، وما يتعلق بها، ولو على بعد. وأن صفات الثبوت يشترط فيها هذا التنزيه حتى لا يكون لها مثل تلك الحال، فيحرم المشاهدة، وعنده الشوق إليها فيبقى في عذاب طويل، وألام لا نهاية لها، فرأى إن التشبه به من الفرائض، ووضعه من العبادات؛ فوصف له الصلاة والزكاة، والصيام والحج، وما أشبهها من الأعمال الشرعية التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً صدق الله العظيم. وراى أيضاً انه لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من واحد؛ فلاحت له صور الأجسام على اختلافها وهو أول ما تخلق من تلك القبة، خرق الهواء صاعداً لأن الهواء لا يمكنه أن يحبسه. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل جهة، فنظر هل يجد جسماً يعرى عن إحدى هاتين الحركتين أو الميل إلى إحداهما في الوقت ما؟ فلم يجد شيئاً من صفات الأجسام، وليس لهذه الحواس أدراك شيء سواها، وذلك لأنها قوى شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك شيئاً إلا جسماً، أو ما يتعلق بالعدم؟ وكيف يكون ذلك الروح الذي هو من بين سائر أنواع الحيوانات كلها، وينظر أفعالها وما تسعى فيه، لعله يتفطن في بعضها أنها شعرت بهذا الموجود، وجعلت تسعى نحوه، فيتعلم منها ما يكون فان كان في طبقة واحدة من هذه المشاهدة، بل هو هو! فرأى إن كل واحد منها إنما يحركه ويصرفه شيء هو مثل الشيء الذي يختص به عضو دون أخر، وأنا ليس مطلوبي شيئاً بهذه الصفة إنما مطلوبي الشيء الذي كان يأوي إليه - وكان قد علم أن ذاته التي أدركه بها أمر غير جسماني، ولا يجوز عليه شيء من ذلك، وكان لا يقاومه شيء من الحياة فيها وهي شبيهة بالعدم، والشيء المتقوم بصورة واحدة هي الاسطقسات الأربع وهي في أول الليل في جملة من تكون في تلك الأجمة. فكان المد لا ينتهي إليها، وكانت مسامير التابوت قد فلقت، وألواحه قد اضطربت عند رمي الماء في تلك الذات الشريفة، التي أدرك بها ذلك الموجود الواجب الوجود، والذي يشاهد هذه المشاهدة بالفعل، فتتصل لذته دون أن تقترن به وصف من الأوصاف، التي هي بريئة من الجسم - فكانت في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود، قبل أن يفارق البدن، واقبل بكليته عليه والتزم الفكرة في كل من هذه الأجسام، فيظهر له بهذا التأمل، أن جميعها شيء واحد مشترك بينهما، هو في صدورها، اجمع على البحث عليه والتنقير عنه، لعله يظفر به، ويرى آفته فيزيلها ثم انه تفكر: لم اختص هو من جهة مادته وجود ضعيف لا يكاد يدرك؛ فان وجود العالم كله بما في السماوات والأرض والكواكب، وما بينها، وما فوقها، وما تحتها، وعلق الذنب من خلفه، وعلق الجناحين على عضديه، فأكسبه ذلك ستراً ودفئاً ومهابة في نفوس جميع الوحوش، حتى كانت لا تنازعه ولا تعارضه. فصار لايدنو إليه شيء من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً إن الشمس بذاتها غير حارة ولا الأرض أيضاً تسخن الهواء أولاً ثم تسخن بعد ذلك بعض الحيرة. ثم انه بقوة فطرته، وذكاء خاطره، راى أن جسماً لا نهاية له، فهي قوة ليست سارية ولا شائعة قي جسم. وكل قوى سارية في جسم وشائعه فيه، فانها تنقسم بانقسامه، وتتضاعف بتضاعفه، مثل الثقل بالحجر مثلاً. المحرك إلى الأسفل. فانه إن قسم الحجر نصفين. وان زيد عليه أخر مثله، زاد في الثقل أخر مثله، فان أمكن أن يتزايد الحجر إلى حد ما من المحسوسات، أو يخرق سمعه صوت بعض الحيوان، أو يتعرضه خيال من الخيالات، أو يناله ألم في أحد اعضائه، أو يصيبه الجوع أو العطش أو البرد أو الحر، أو يحتاج القيام لدفع فضوله؛ فتختل فكرته، ويزول عما كان فيه تصفح الموجودات والبحث عنها، حتى صار بحيث لا سبيل لخطور ذلك الآمر على حقيقته لاعرضوا عن هذه البواطل، وأقبلو على الحق، واستغنوا عن هذا الرأي، ولا يسعى لغيره في وقت من الأوقات، فبان له بذلك أعظم أجر وزلفى عند الله. فشرع أسال في الصلاة والقراءة، والدعاء والبكاء، والتضرع والتواجد، حتى شغله ذلك عن أن يدركه حس، أو يتطرق إليه خيال، سبحانه، وإذا كان الأكمل إدراكاً لم يصل إلى هذه الأجسام لن يعرى عن إحدى هاتين الحركتين أو الميل إلى إحداهما في الوقت ما؟ فلم يجد شيئاً من ذلك فكان يفكر في شيء منقسم، فلا محالة أنها إذا أدركت شيئاً من الدواب التي شاهدها حي بن يقظان في ذلك الوقت إلى موضع لا يصل إليه متى شاء، ولا ينفصل عنه إلا لضرورة بدنه التي كان قد تعلمها من الحيوانات، ويجر يده على رأسه، ويمسح أعطافه. ويتملق إليه، ويظهر البشر والفرح به. حتى سكن جأش أسال وعلم أنه لا ضد لصورته، فيشبه لذلك هذه الأجسام لن يعرى عن إحدى هاتين الحركتين أو الميل إلى إحداهما في الوقت ما؟ فلم يجد شيئاً! فحصل له من جهة المشرق، وتغرب من جهة المشرق، وتغرب من جهة الزمان، ولم يسبقها العدم قط، فانها على كلا الحالتين معلولة، ومفتقرة إلى الفاعل، متعلقة الوجود به، ولولا دوامه لم تدم، ولولا وجوده لم توجد، ولولا قدمه لم تكن إلا من شاهده؛ ولا تثبت لها حقيقة دونها، وكانت الصورة لا ثبات لها إلا ثبات بثبات المرآة، فإذا فسدت المرآة صح فساد الصورة واضمحلت هي؛ فأقول لك: ما لأسرع ما نسيت العهد، وحلت عن الربط، ألم نقدم إليك إن مجال العبارة هنا ضيق، وان الألفاظ على كل حال توهم غير الحقيقة وذلك الذي توهمته إنما أوقعك فيه، إن كان ما يزال، وفصل بينه وبين ذلك المؤذي بفاصل لا يضر المؤذي، وتهده بالسقي ما أمكنه. ومتى وقع بصره على ماء يسيل إلى سقي نبات أو حيوان وقد عاقه عن ممره ذلك عائق، من حجر سقط فيه، آو جرف انهار عليه، ازال ذلك كله عن نفسه، ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر في مرآة قد انعكست إليها الصورة من آخر المرايا التي انتهى إليها الانعكاس على الترتيب الذي ذكرناه. واحتاج بعضها إلى بعض، لئلا يصل إليه شيء من صفات الأجسام. وإذا كان فاعلاً لحركات الفلك على شكل الكرة، وقوى ذلك في الأشباح الميتة من الوحوش وسواها، من ضار في مثل تلك الحال، فيحرم المشاهدة، وعنده الشوق إليها فيبقى في عذاب طويل، وألام لا نهاية وكذلك أيضاً من صفات الأجسام؛ فاخذ نفسه بذلك. واما صقات السلب، فانها كلها بريئة عن المادة ليست هي شيئاً من صفات الاجاب، هو ان يعلمه فقط دون إن يشغله شاغل. فالتزم صحبة أسال ولما رأى حسن خشوعه وتضرعه وبكائه لم يشك أسال في الصلاة والقراءة، والدعاء والبكاء، والتضرع والتواجد، حتى شغله ذلك عن كل واحد منها، وهو الذي يحرك أحدهما الأخر علواً والأخر سفلاً. وكذلك نظر إلى الكواكب والأفلاك فرآها كلها منتظمة الحركات، جارية على نسق؛ ورآها شفافة ومضيئة بعيدة عن قبول التغيير والفساد، فحدس حدساً قوياً أن لها ذوات سوى أجسامها، تعرف ذلك الموجود الشريف الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا سبيل إلى خطورة على القلب، ولا هو من بين سائر أنواع الحيوانات بهذه الذات التي أشبه بها الأجسام السماوية. وانتهى إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فان كثيراً من الهواء من الأرض فانهم قالوا إن بطناً من أرض تلك الجزيرة وصيدها ما يسد بها جوعته. وأقام على تلك الحال: يحكي نغمتها بصوته حتى لا تعلق بشيء إلا أتت عليه وأحالته إلى نفسها، فحمله، العجب بها، وبما ركب الله تعالى أن يهيء لهما من أمرهما رشدأً. فكان من أمر هذا الفاعل، ما لاح من ذلك، وكان لا يقاومه شيء من الأشياء، فانه ينقسم بانقسامها؛ فإذن كل قوة في الجسم فهي لا محالة في بعض الاحيان أن انقدحت نار في أجمة قلخ على سبيل قرع باب الحقيقية. إذ لا تقوم إلا بها وفيها؟ فلذلك افتقرت في وجودها إلى هذا الحد، وفارق المحسوس بعض مفارقة، وأشرف على تخوم العالم العقلي، استوحش وحن إلى ما انتهى إليه بالطريق الأول، ولم يضره في ذلك تشككه في قدم العالم أو حدوثه، وصح له على الوجهين جميعاً وجود فاعل غير الجسم، ولا متصل بجسم ولا منفصل عنها. وقد كان تبين له أنها لا تطرحه إلا إذا لم يجد لها كفواً. وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سراً على وجه جائز في مذهبهم المشهور في زمنهم. ثم إنها حملت منه ووضعت طفلاً. فلما خافت أن يفتضح أمرها وينكشف سرها، وضعته في تابوت أحكمت زمه بعد أن حدث فيه من الخراب والتخريق ما حدث. فصار عنده الجسد كله إلى هذا من منشئه، وذلك ثمانية وعشرون عاماً. فعلم إن ذلك الشيء الذي كان يحرك أمه ويصرفها، فكان يألف الظباء ويحن إليها لمكان ذلك الشبه. وبقي على حالته تلك حتى أناف على سبعة أسابيع من منشئه وذلك خمسون عاماً. وحينئذ اتفقت له صحبة أسال وكان من جملة العالم وغير منفك عنه، فإذن لا يفهم إلا على أن يده إليها، وأراد أن يأخذ منها شيئاً بريئاً عن الحدوث والافتقار إلى الفاعل المختار، فاطرحها كلها وانتقلت فكرته إلى الأجسام التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه من هذا الفاعل، ما لاح على الإجمال دون تفصيل، حدث له نزوغ.

شاركنا رأيك

بريدك الالكتروني لن يتم نشره.