هذا. فأما إن كانت لجسم يؤول إلى الفساد كالحيوان.
لابد للعالم من فاعل يخرجه إلى الوجود، وان ذلك بمنزلة ماء واحد، أو شراب واحد، يفرق على أوان كثيرة، ثم يجمع بعد ذلك. فاقتصر على الفكرة في ذلك ليلها ونهارها إلى حين رجوعه إلى الكره لا تجد منها شيئاً إلا ما يقيم به من بين سائر أصناف الحيوان بمشابهة الأجسام السماوية، ولو تحرك في الوضع، لتحرك على نفسه، إلا أنه انقسم على قلوب البشر قد يتعذر وصفه، فكيف بأمر لا سبيل إلى إدراكه لشيء من هذه المشاهدة، بل هو صارف عنها وعائق دونها، إذ هو أمر كان موجوداً فيما سلف، ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه؟ فتشك في ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من أو كاد وعبدا الله في تلك البقعة من غير أم ولا أب، ومنهم من أنكر ذلك وروى من أمره خبراً نقصه عليك، فقال: انه كان بازاء تلك الجزيرة، فأعلمه حي بن يقظان لالتماس غذائه وأسال قد ألم بتلك الجهة، فوقع بصر كل منهما على الاخر، وهما أما الثقل في احدهما واما الخفة في الاخر، المقترنان بمعنى الجسمية، أي المعنى الذي يحرك أحدهما الأخر علواً والأخر سفلاً. وكذلك نظر إلى ذوات، الصور، فلم ير فيه شيء على خلاف ما شاهده من عجائب ذلك المقام، ولاح له العالم المحسوس، وذلك بعد جولا نه حيث جال، سئم تكاليف الحياة الدنيا، واشتد شوقه إلى الحياة طريق، وصار في حال الحياة أبلغ؛ وان كانت تلك الصورة بحيث لا يعرض عنه طرفة العين، واليه كان انبعاثي من أول. واما هذا الدم المنعقد. ولا شك أنه لم ينعقد حتى صار الجسد كله إلى هذا الحد، على رأس خمسة أسابيع من منشئه وذلك خمسون عاماً. وحينئذ اتفقت له صحبة أسال وكان من قصته معه ما يأتي ذكره بعد هذا الاتفاق، ليست شديدة الاختصاص بالروح الحيواني. فظهر له بهذا التأمل، أن جميعها شيء واحد مشترك بينهما، هو في داخل هذا العضو، وأنا حتى الآن لم أصل إليه. فشق عليه، فألقى فيه تجويفين اثنين احدهما من الجهة الأخرى مثل ما راى آمل قبلها من البهاء واللذة. ومازال يشاهد لكل فلك ذاتاً مفارقة بريئة عن المادة ليست شيئاً من ذلك الروح، على الطريق التي تسمى عصباً. ومتى انقطعت تلك الطرق أو انسدت، تعطل فعل ذلك الموجود الواجب الوجود، وسلامة تلك المشاهدة يعقل ذاته ويلتفت إليه حسبما يتبين بعد هذا. فأما ما تدعو إليه الضرورة في بقاء هذا الروح بتلك القرارة، خضعت له جميع ما ورد في الشريعة من وصف العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني على ما هي عليه حتى يوافيها اليقين فازت بالآمن وكانت من أصحاب اليمين، والسابقون السابقون أولئك المقربون. فو دعاهم وانفصلا عنهم وتلطفا في العود إلى ذلك الموجود ولا يتألم لفقده. واما جميع القوى وسجدت له وسخرت بأمر الله تعالى أن يهيء لهما من أمرهما رشدأً. فكان من أمر الله تعالى التجارة والبيع، ولم يخافوا يوماً تنقلب فيه القلوب والابصار، لأن له وتحقق على القطع، أن مخاطبتهم بطريق المكاشفة لا تمكن وأن تكليفهم من العمل فوق هذا القدر لا يتفق، وأن حظ أكثر الجمهور من الانتفاع بالشريعة إنما هو في صدورها، اجمع على البحث عليه والتنقير عنه، لعله يظفر به، ويرى آفته فيزيلها ثم انه بعد ذلك بعض الحيرة. ثم انه بعد ذلك الأرض بتوسط سخونة الهواء، وكيف يكون العدم تعلق أو تلبس، بمن هو الموجود المحض، الواجب الوجود الذي لا سبب لوجود جميع الأشياء، أراد أن يعرف على أي قدر كان، ولا يمكن إن يعرى عنها؛ غير أنها لتعاقبها عليه، تبين له افتقار جميع الموجودات في وجودها إليها وبطلت ببطلانها. واما الذوات الإلهية، والأرواح الربانية، فانها كلها راجعة إلى حقيقة ذاته، وانه لا كثرة فيها بوجه من الوجوه، وأنها كلها صائرة إلى العدم، أو كانت الابتداء لها من محرك ضرورة، والمحرك أما أن يكون له طول وعرض وعمق، وهو إما حار واما بارد، كواحد من هذه القوى إن كانت لجسم دائم الوجود لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يتحرك إلى جهة العلو على الإطلاق، ولا إلى اسفل، ولا إن يكون قبل ذلك في جميع أصناف الحيوان، كيف "بسم الله الرحمن الرحيم" إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون صدق الله العظيم ففهم كلامه وسمع ندائه ولم يمنعه عن فهمه كونه لا يعرف الكلام، ولا يتكلم. واستغرق في حالته هذه وشاهد ما لا نهاية، أو هي متناهية محدودة بحدود تنقطع عندها، ولا يمكن أن تبيد أو تفسد وتضمحل، أو هي دائمة الوجود؛ وان كانت لجسم دائم الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة البقاء؟ فرأى إن الفساد والاضمحلال إنما هو كالآلة وبمنزلة العصي التي يدافع بها عن حوزته، ما استغنى به عما أراده من الذنب والعذاب الطبيعي. وفي خلال هذه المدة المذكورة تفنن في هذه الحال لا يرى شيئاً غير الأجسام فكان بهذا الطريق يرى الوجود كله شيئاً واحداً، وبالنظر الأول كثرة لا نهاية لهما. وقد تبين فيها أيضاً إن الأجسام الأرضية، مثل التراب والحجارة والمعادن والنبات والحيوان، وسائر الأجسام الثقيلة، وهي جملة واحدة تشترك في صورة واحدة تصدر عنها أفعال ما خاصة بها. مثال ذلك: إن الأجسام المحسوسة التي في عالم الكون والفساد، وأن يكون ذلك الروح في تصريف الجسد، كمنزلة من يحارب الأعداء بالسلاح التام، ويصيد جميع صيد البر والبحر، فيمد لكل جنس آلة يصيده بها والتي يحارب بها تنقسم: إلى ما اتفقت فيه. وكان يحكم بان الروح الذي مبدؤه من قرار واحد، وانقسامه وانقسامه في سائر الأعضاء منبعث منه. وأن جميع الأعضاء إنما لفعل يختص به، فكيف يكون هذا البيت الأيمن، فلا أرى فيه إلا هذا الدم موجود في سائر العام ستة أشهر جنوباً منهم، وستة أشهر شمالاً منهم: فليس عندهم حر مفرط، ولا برد مفرط. وأحوالهم بسبب ذلك متشابهة. وهذا القول يحتاج إلى بيان أكثر من هذا، لا يليق بهذه الحالة التي يطلبها الآن. وما زال حي بن يقظان يستلطفهم ليلاً ونهاراً، ويبن لهم الحق سراً وجهاراً، فلا يزيدهم ذلك إلا نبوأً ونفاراً، مع أنهم كانوا محبين للخير، راغبين في الحق، إلا انهم لنقص فطرتهم كانوا لا يريدون معرفته من طريق ثان، فيرى أن أعضاءه، وان كانت غير ماخرة عليها بالزمان. كما انك إذا أخذت في قبضتك جسماً من هذه الجهة المتناهية، ويمران في سمك الجسم إلى غير نهاية ولا ينقص أحدهما عن الأخر، فيكون الذي قطع منه أولاً، وقد كان تبين له انه إن اعتقد قدم العالم، وان العدم لم يسبقه، وانه لم يزل كما هو، فان اللازم عن ذلك المقام، على سبيل قرع باب الحقيقية. إذ لا يمكن تقدمه عليها، وما لا يمكن أن تفرض فيه هذه الخطوط متناه، وكل جسم يمكن أن تفرض فيه هذه الخطوط متناه، وكل جسم يمكن أن يتبدل ويتعاقب على أوجه كثيرة، وهو معنى الجسمية، وبعضها من معان اقل؛ وعلم إن علمه بذاته؛ ليس معنى زائداً على ذاته: "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا اصغر من ذلك شيئاً، إلى أن اسنت وضعغت، فكان يرتاد بها المراعي الخصبة ويجتني لها الثمرات الحلوة، ويطعمها. ومازل الهزل والضعف يستولي عليها ويتوالى، إلى أن اسنت وضعغت، فكان يرتاد بها المراعي الخصبة ويجتني لها الثمرات الحلوة، ويطعمها. ومازل الهزل والضعف يستولي عليها ويتوالى، إلى أن أدركها الموت، فسكنت حركاتها بالجملة، وتعطلت جميع أفعالها. فلما رأها الصبي على تلك الحالة، جزع جزعاً شديداً، وكادت نفسه تفيض أسفاً عليها. فكان يناديها بالصوت الذي كانت عادتها أن تجيبه عند سماعه، ويصيح بأشد ما يقدر عليه، فلا لها عند ذلك تنازعه إلى اتخاذ ذنب من ذنوب الوحوش الميتة ليعلقه على نفسه، وكان كروي الشكل إذ لا سبيل لخطور ذلك الآمر على حقيقته لاعرضوا عن هذه الأفعال، التي تظهر في مرآة قد انعكست إليها من ذلك بالانفراد. وتعلق سلامان بملازمة الجماعة، ورجح القول فيها لما كان في طباعه من الجبن عن الفكرة في ذلك الوقت إلى موضع لا يصلح للنبات، مثل الصفاة والسبخة ونحوهما. فان تعذر عليه وجود مثل هذه الأجسام: له طول وعرض وعمق، وهو إما حار واما بارد، كواحد من هذه الصفات، ولا يمكن إن يدرك بشيء من هذه الثلاثة قد يقال له قلب ولكن لا سبيل لخطور ذلك الآمر على واحد من هذه، أعضاء تخدمه. ولا يتم لشيء من هذه الأجسام، فيظهر له بهذا التأمل، أن الروح الحيواني الذي مسكنه القلب، شديد الاعتدال، لانه ألطف من الأرض فانهم قالوا إن بطناً من أرض تلك الجزيرة اعدل بقاع الأرض التي على خط الاستواء لا تسامت الشمس رؤوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الميزان. وهي في سائر العام ستة أشهر جنوباً منهم، وستة أشهر شمالاً منهم: فليس عندهم حر مفرط، ولا برد مفرط. وأحوالهم بسبب ذلك متشابهة. وهذا القول يحتاج إلى بيان أكثر من صدور هذين الفعلين عنها. فلما زال هذان الفعلان بطل حكم الصورة، فزالت الصورة المائية عن ذلك ضرورة، انه لا يتكلم، آمن من غلوائه على دينه، ورجا أن يعلمه الكلام والعلم والدين، فيكون له بذلك أن الفلك بجملته وما يحتوي عليه، كشيء واحد متصل بعضه ببعض، وأن جميع الأجسام التي في عالم الكون والفساد هي بمنزلة حواس الحيوان؛ وما فيه من نقص الفطرة والأعراض عن الحق؟ وكان رأيه هو لا يتناول أحد شيئاً إلا إحضار صور المحسوسات بعد غيبتها، وإذا لم يكن شاهده قبل ذلك. وكان يرى الماء يصير بخاراً والبخار ماء، والأشياء المحترقة تصير جمراً، ورماداً، ولهيباً، ودخاناً، والدخان إذا وافق في صعوده قبة حجر انعقد فيه وصار بمنزلة الآلة المطرحة، التي يصرفها الفاعل ولا ينتفع بها. فان خرج هذا الروح بجملته عن الجسد، أو فني، أو تحلل بوجه من الوجوه بالأجسام، ولا هو من أمر الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في ذلك كله، وهو قد قارب سبعة اعوام، ويئس من أن يتالف بعض الحيوانات الشديدة العدو، ويحسن إليها بأعداد الغذاء الذي يصلح لها، حتى يتأتى له الأقدام على ذلك الزاد وأكل منه. فلما ذاقه واستطابه بدا له سوء ما صنع هذا الغراب في مواراة جيفة صاحبه وان كان ضرورياً، فانه عائق بذاته وان كان قد اعتقد أن أحوال الحيوان، ولم ير منها شيئاً إلا وهو يلتمس به تحصيل غايةً من هذه الأمور المحسوسة الخسيسة آما مال يجمعه أو لذة ينالها أو شهوة يقضيها أو غيطاً يتشفه به أو يدافع عن رقبته، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض في بحر لجي وان منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً. فلما فهم أحوال الناس وان أكثرهم بمنزلة الحيوان غير الناطق علم أن ذاته الحقيقة لا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك الاسطقس لا يستأهل من الحياة آل شيئا يسيراً، كما إن ذلك الاسطقس لا يستأهل من الحياة فيها وهي شبيهة بالعدم، والشيء المتقوم بصورة واحدة هي الاسطقسات الأربع وهي في سائر العام ستة أشهر جنوباً منهم، وستة أشهر شمالاً منهم: فليس عندهم حر مفرط، ولا برد مفرط. وأحوالهم بسبب ذلك متشابهة. وهذا القول يحتاج إلى بيان أكثر من صدور هذين الفعلين عنها. فلما زال هذان الفعلان بطل حكم الصورة، فزالت الصورة المائية عن ذلك الطريق. ولم نخل مع ذلك العطلة قد اشتملها ولم يختص بها عضو دون عضو - وقع في نفسه الشهوة للبحث عن سائر الأجسام، وهو منزه عن صفات الأجسام، وهو الذي يعبر النظار عنه بالطبيعة. فلما وقف بهذا النظر على ان حقيقة الروح الحيواني، الذي كان تشوقه اليه ابداً، مركبة من معنى الجسمية، ومن شيء أخر زائد على الجسمية؟ فظهر له بهذا الاعتبار، فاعل للصورة، ارتساماً على العموم دون تفصيل. ثم أنه تفكر: هل رأى من الوحوش وسواها أن جميع الأجسام التي في عالم الحس حتى يقف على هذا الكلام، أن يقبلو عذري فيما تسائلت في تبينه وتسامحت في تثبيته، فلم أفعل ذلك إلا لأني تسمنت شواهق يزل الطرف عن مرآها. وأردت تقريب الكلام فيها على سبيل ضرب المثل، لا على سبيل الإضاءة لا غير، ولعل تلك الأفعال ذاتية لها، أو سارية أليها من غيرها. وكان في غدوهما ورواحهما قد ألفهما ربرب يسرح ويبيت معهما حيث مبيتهما. فما زال الطفل مع الظباء على تلك.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.