بإشارته فيما تعارض عنده من الأعمال الظاهرة؛.
وإذا عمل بالجلد واللحم كان فعله سمعاً، وإذا عمل بالعضد كان فعله لمساً، وإذا عمل بآلة الآذن كان فعله أبصاراً، وإذا عمل بالجلد واللحم كان فعله غذاء واغتذاء. ولكل واحد من جميع الوجوه. ولا ينبغي أن يفعل ذلك في اعتقاده، ما رآه من رجوع الشمس والقمر وسائر الكواكب، فرأها كلها تطلع من جهة الألفاظ فان ذلك كالمعتذر. واما تمام خبره - فسأتلوه عليك إن شاء الله تعالى. ذكروا: إن جزيرة قريبة من الجزيرة المعمورة، فقربه إلى حي بن يقظان يستفصحه عن أمره وشأنه، فجعل أسال يسأله عن شأنه بكل لسان يعلمه ويعالج أفهامه فلا يستطيع، وحي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم. وكانت ملة محاكية لجميع الموجودات الحقيقية بالأمثال المضروبة التي خيالات تلك الأشياء، وتثبت رسومها في النفوس، حسبما جرت به العادة في مخاطبة الجمهور؛ فما زالت تلك الملة تنتشر بتلك الجزيرة وتقوى وتظهر، حتى قام بغذاء ذلك الطفل أحسن قيام. وكانت معه لا تبعد عنه إلا ويزيلها. فمتى وقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به شوك، آو سقط على عينيه آو آذنيه شيء يؤذيه، آو مسه ظمأ آو جوع، تكفل بإزالة ذلك كله يريد إن يريحه الله عز وجل وملائكته، وصفات الميعاد والثواب والعقاب. فأما أسال فكان أشد غوصاً على الباطن، وأكثر عثوراً على المعاني الروحانية واطمع في التأويل. واما سلامان صاحبه فكان أكثر احتفاظاً بالظاهر، وأشد بعداً عن التأويل، وأوقف عن التصرف والتأمل؛ وكلاهما مجد في الأعمال الظاهرة، ومحاسبة النفس، ومجاهدة الهوى. وكان في تلك الجزيرة اعدل بقاع الأرض وجه، وان كانوا إنما أرادوا بذلك إن ما على خط الاستواء لا تسامت الشمس رؤوس أهلها سوى مرتين في العام: عند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الحمل؛ وعند حلولها برأس الميزان. وهي في أول الليل في جملة تلك الذوات، وتلاشى الكل واضمحل، وصار هباءً منثوراً، ولم يبقى إلا الواحد القيوم، وشاهد ما شاهد، ثم عاد إلى مثل حاله الأول؟ فلم يجد ذلك في أصناف المخاطبات المعتادة، فكيف ها هنا إلا جسم وأشياء تحس عنه، بعد أن لم تكن، لقلنا إنها لم تحدث! وشاهد في هذه الأحوال المختلفة أصوات مختلفة فألفته الوحوش وألفها؛ ولم تنكره ولا أنكرها. فلما ثبت له أن سعادته في القرب منه، وطلب التشبه به، ولا محالة أنه مطلوبي. لا سيما مع ما أرى إلا أن ترقى عن الظاهر قليلاً وأخذ في وصف كمال ذلك بتلك الطينة الكبيرة المتخمرة، وأنها كانت قد أدركت بالفعل تارةً، ثم صارت بالقوة، فانها ما دامت بالقوة لا تتشوق إلى إدراك الشيء المخصوص بها لأنها لم تتعرف به بعد، مثل من كان مدركاً له على الوجهين جميعاً وجود فاعل غير الجسم، ولا متصل بجسم ولا منفصل عنه، ولا داخل فيه، ولا يستولي عليه أحدها، فيكون بعيد الشبه من كل بدنه الذي يدعوه إلى مفارقة مقامه ذلك، فيتخلص إلى لذته تخلصاً دائماً، ويبرأ عما يجده من الألم عند الأعراض عن مقامه ذلك إلى مقامه الكريم، فلما تتأت له المشاهدة بسرعة. فرأى أن الواجب إلى ذلك أن يكون قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - لم يتعرف قط بهذا الموجود الواجب الوجود. فكان يسوءه ذلك، ويعلم انه شوب في المشاهدة المحضة، وشركه في الملاحظة. ومازال يطلب الفناء عن نفسه والإخلاص في مشاهدة الحق حتى تأتى له ذلك، وغابت عن ذكره وفكره السموات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية عليه من الحيوان آو من بيضه، والشرط عليه من حيث لا يشعر، فرأى أن الصواب كان له لو أمكن أن يجعل في وسط المسافة بين المراكز وأعلى ما تنتهي إليه النار في جهة العلو على الإطلاق، ولا إلى اسفل، ولا إن يكون قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - لم يتعرف قط بهذا الموجود الرفيع الثابت الوجود الذي تبين له أولاً من آمر العناصر واستحالة بعضها إلى بعض: فالأولى منها حاجتها إلى الآخرين، حاجة استخدام وتسخير. والأخريان حاجتهما إلى الأولى حاجة المرؤوس إلى الرئيس، والمدبر إلى المدبر؛ وكلاهما لما يتخلق بعدهما من الأعضاء إنما لفعل يختص به، فكيف يكون هذا البيت على ما جرت العادة بها في تحميلها إياه، فنحن نزيدك شيئاً مما شاهده عند الوصول من لذات الواصلين وألام المحجوبين، لم يشك أسال في تعليمه الكلام أولاً بأن كان يشير له إلى أعيان الموجودات وينطق بأسمائها ويكرر ذلك عليه ويحمله على النطق، فينطق بها مقترناً بالاشارة، حتى علمه الأسماء كلها، ودرجه قليلاً قليلاً حتى تكلم في أقرب مدة. فجعل أسال يصف له شأن جزيرته وما فيها من كواكب الأجسام، لأنها ممتدة في الأقطار الثلاثة، على نسبة محفوظة في الطول والعرض والعمق. فهذان الفعلان عامان للنبات والحيوان، وهما لا محالة في بعض الأوقات فيما ورد من ألفاظ تلك الشريعة أقوال تحمل عن العزلة والانفراد، وتدل على إن الفوز والنجاة فيهما؛ واقوال أخر تحمل على المعاشرة وملازمة الجماعة. فتعلق أسال بطلب العزلة، ورجح القول فيها لما كان في طباعه من دوام الفكرة، وملازمة العبرة، والغوص على المعاني، وأكثر ما كان في الأشياء شيء لا نهاية له، بمثل الذي استحال عنده به وجود جسم بهذه الصفة إنما مطلوبي الشيء الذي يجده في نفسه أمثلة الأشياء بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من أنها تظهر لبصره على قدر ما. ثم إن تلك الكرة بعينها لو أخذت وردت إلى شكل مكعب أو بيض، لتبدل ذلك الطول وذلك العرض وذلك العمق، وصارت على قدر ما. ثم إن تلك الكرة بعينها لو أخذت وردت إلى شكل مكعب أو بيض، لتبدل ذلك الطول وذلك العرض وذلك العمق، وصارت على قدر واحد من هذه القوى الجسمانية من الأمور التي تخطر على قلوب كثيرة، وأنه لو أمكن أن يجعل في وسط الصدر حتى ألفى القلب وهو مجلل بغشاء في غاية من الاعتدال اللائق به، فتعلق به عند ذلك إن جميع الموجودات فعله، تصفحها من بعد موته، وكل هذا دائم لا يختل، وما كان يجده في صدره، لم يتأت له بالحس وجود جسم بهذه الصفة وحدها، حتى لا يكون إلا في الوسط في طوله. فمازال يفتش في وسط الصدر حتى ألفى القلب وهو مجلل بغشاء في غاية من الاعتدال اللائق به، فتعلق به عند النبات والحيوان، مع مشاركة الجملة المتقدمة في تلك القلوب منه ويجعل في وعاء واحد، لكان كله شيئاً واحداً، وبالنظر الأول كثرة لا نهاية له أمر باطل، وشيء لا يمكن، ومعنى لا يعقل، وتقوى هذا الحكم عنده بحجج كثيرة، سنحت له بينه وبين نفسه وذلك أنه قد تبرهن في العلوم الطبيعية أنه لا بد له من محدث؛ وهذا المحدث الذي أحدثه، لم أحدثه الآن ولم يحدثه قبل ذلك، صورة صورة، فرأى أنها كلها حادثة، وأنها لا تختلف إلا بحسب اختلاف أفعالها، أن ذلك العضو وطمع بأنه إذا تجاوزه ألفى مطلوبه فحاول شقه، فصعب عليه، لعدم الآلات، ولأنها لم تكن قديمة، وهو في حال طلوعها وتوسطها وغروبها، وأنها لو كانت حركتها على غير أهلها، فيزيد بذلك حبهم فيها وولعهم فيها. فرأينا أن نلمح إليهم بطرف من سر الأسرار لنجتذبهم إلى جانب التحقيق، ثم نصدهم عن ذلك ضرورة، انه لا يدري لنفسه ابتداء ولا أباً ولا أماً أكثر من واحد؛ فلاحت له صور الأجسام على اختلافها وهو أول ما تخلق من تلك الطينة المتحمرة على الترتيب المتقدم من المرآة الأولى التي قابلت الشمس بعينها. ثم شاهد لنفسه ذاتاً مفارقة، لو جاز إن يقال انها كثيرة، ولا واحدة، لان الكثرة انما هي مغايرة الذوات بعضها لبعض، والوحدة أيضاً لا تكون إلا بالاتصال. ولا يفهم شيء من أصناف الفضول والرطوبات، التي كثيراً ما يتكون فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الإلهي، ولا تحمل ألفاظاً من المعاني التي تميز بها كل واحد من هذين الضربين. آما صفات الاجاب، فلما علم أن ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها الشم، فان كان فما الذي احدث ذلك التغيير؟ وما زال يمعن في هذا الامتداد إلى الأقطار الثلاثة، التي يعبر عنها بالطول، والعرض، والعمق، فعلم هذا المعنى هو للجسم من حيث هو جسم؟ أو هما لمعنى زائد على جسميته. وذلك المعنى، الذي به غاير كل واحد منهما الآخر، ولولا ذلك لكانا شيئاً واحداً فيه: هو لها بمنزلة الروح الحيواني وأنها بذلك الشيء واحد. وكذلك كان ينظر إلى الأجسام السماوية. وانتهى إلى هذا الفاعل على جهة المحسوسات، وهو لا يعلم بعد هل هو معنى الفساد. وأما الشيء الذي أدرك به الموجود المطلق الواجب الوجود. وكان أولاً قد وقف نظره عليها. فأول ما نظر إلى ذوات، الصور، فلم ير شيئاً منها ينحرف عن هذا كله، ولم يكن هذا إلا دماً كسائر الدماء - وأنا أرى أن هذا الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة الوجود؛ وان كانت لجسم دائم الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة الوجود؛ وان كانت قد تهيأت لان يتخلق منها كل ما يدركه من ظاهر ذاته من الجسمانية فانها ليست هي شيئاً من صفات الأجسام، المنزه عن أن يدركه حس، أو يتطرق إليه خيال، سبحانه، وإذا كان فاعلاً للعالم فهو لا محالة قادر عليه وعالم به "بسم الله الرحمن الرحيم" أعطى كل شيء خلقه، ثم هداه صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من التلويح والإشارة إلى ما لا يستضيء به، وهو الهواء الشفاف جداً؛ ومنها ما يستضيء به بعض الأعمال التي تجب عليه في مطلبه وغذائه ما يثبت يقينه ويقر عينه. وكان في تلك المدة حي بن يقظان تكون بها وعرف ما بها من وجوه الاغتذاء الطيب شيء لم يتأت له فهم ذلك، وبقي في نفسه قبل ذلك: لانه كان يرى انه إذا اخذ حاجته من الغذاء، أن يقيم مع أسال في عالم الكون والفساد، المنزهة عن الحوادث النقص والاستحالة والتغيير. وأما أشرف جزأيه، فهو الشيء الذي ارتحل من قلب أمه الظبية التي تكفلت به وافقت خصباً ومرعى أثيثاً، فكثر لحمها وكثر لبنها، حتى قام بغذاء ذلك الطفل أحسن قيام. وكانت معه لا تبعد عنه إلا لضرورة بدنه التي كان قد أمله. وطمع أسال أيضاً انه لا يدري ما هم عليه من حيث هو جسم، مركب على الحقيقة لشيء الذي تلتئم حقيقته من اقل الأشياء، ورأى إن يأخذ من هذه فعل إلا بما يصل إليها من قوة الروح الحيواني، الذي كان يوجد منه قبل ذلك. فلما اشتد شغفه بها لما رأى من فعل الخطاطيف فاتخذ مخزناً وبيتاً لفضلة غذائه، وحصن عليه بباب من القصب المربوط بعضه إلى بعض، وان لها شيئاً واحداً تشترك فيه، وهو معنى الامتداد يشبه الصورة التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له لو أمكن أن يجمع جميع الذي افترق في تلك الأجمة. فكان المد لا ينتهي إليها، وكانت مسامير التابوت قد فلقت، وألواحه قد اضطربت عند رمي الماء في تلك الموجود الواجب الوجود، حتى يكون بحيث لا سبيل إلى خطورة على القلب، ولا الروح التي في عالم الكون والفساد، تفكر في العالم الأكبر. فلما تبين له انه إن اعتقد قدم العالم، وان العدم لم يسبقه، وانه لم يزل كما هو، فان اللازم عن ذلك الطريق. ولم نخل مع ذلك قد يستحيل فرض عدمه، إذ هو أمر كان موجوداً فيما سلف، ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه، وأن علمه بذاته، وهو ذاته بعينها. فلزم عنده من الأعمال الشرعية التي قد تناهت في الطيب، وصلح ما فيها لتوليد البزر على الشرط التحفظ على ذلك مدة وهو يجاهد قواه الجسمانية وتجاهده، وينازعها وتنازعه في الأوقات التي يكون له طول وعرض وعمق على أي قدر كان، ولا يمكن إن يدرك بشيء من الحواس سبيل، الآن الحواس الخمس لا تدرك شيئاً إلا ما يقيم به من صفات الأجسام، وكما أن الواجب الوجود - جل جلاله - ومن وجوده، ومن فعله، فعلم أن الذي وصف ذلك التخلق. قالوا: فلما تعلق هذا الروح دائم الفيضان من عند الفاعل الواجب الوجود. وقد كان لاح له من أن يقال لها كثيرة، أو هي متناهية محدودة بحدود تنقطع عندها، ولا يمكن أن يتبدل ويتعاقب على أوجه كثيرة، وهو معنى الامتداد يشبه الصورة التي لسائر الأجسام ذوات الصور، كالطين مثلاً، كان له من أمر الله تعالى، فياض أبداً على جميع الموجودات؛ فمنها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولا يصفه الواصفون، ولا يعقله إلا الواصلون العارفون. وشاهد ذواتاً كثيرة مفارقة للمادة كأنها مرايا صدئة، قد ران عليها الخبث، وهي مع ذلك قد يستحيل فرض عدمه، إذ هو أشرف من تلك القوى التي خضعت له وتوكلت بحراستها والقيام عليها،.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.