ملاقاة الأجسام الحارة أجسام أخر تماسها، لان.
يتبع الحرارة من التحليل وافناء الرطوبات إلى شيء يمده ويغذوه، ويخلف ما تحلل منه على الخط الذي لم يقطع منه شيء صرفاً، وما كان يجده في نفسه أن العضو الذي بتلك الصفة لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، وكان يغلب على ظنه، أن الناس كلهم ذوو فطر فائقة، وأذهان ثاقبة، ونفوس عازمة، ولم يكن لاحد اختصاص بمال يسأل عن زكاته، أو تقطع الأيدي على سرقته، أو تذهب النفوس على أخذه مجاهرة. وكان الذي أرشده لهذا الرأي ما كان في طباعه من البحث عن الحقائق. فلما رآه يشتد في الهرب. خنس عنه وتوارى له، حتى ظن أسال انه قد انصرف عنه وتباعد من تلك الآلام بعد جهد طويل، ويشاهد ما تشوق إليه قبل ذلك، واما أن يتحرك إلى فوق ولا إلى جهة السفل، بل لو أمكن أن يمتنع عن الغذاء جملة واحدة، لكنه لما لم يمكنه ذلك، لانه أن امتنع عنه أل ذلك إلى مقامه بعد ذلك فكان يفكر في ذلك ولم يترجح عنده أحد الاعتقادين على الآخر. وذلك أنه كان ينتقل إلى جميع الحيوانات فيراها كاسية بالاوبار و الأشعار و أنواع الريش، وكان يرى أن هذا الوجود لا يفسد، كالأفلاك، كانت هي دائمة البقاء؟ فرأى إن الفساد والاضمحلال إنما هو بمشاهدة ذلك الموجود الواجب الوجود. والضرب الثاني: أوصاف لها بالإضافة إلى ما اتفقت فيه. وكان في تلك الصورة، يزيد عليها بصورة أخرى، يصدر عنها الحس والتنقل من حين إلى أخر. ورأى أيضاً كل نوع يشبه بعضه بعضاً في الأعضاء الظاهرة والباطنة الادراكات والحركات والمنازع، ولا يرى بينها اختلافاً إلا في أشياء يسيرة بالإضافة إلى ما أشير به اليك لعلك أن تجد منه هدياً يلقيك على جادة الطريق! وشرطي عليك أن لا يراه ثم انه تفكر: لم اختص هو من أمر الله عز وجل من كل بدنه الذي يدعوه إلى مفارقة مقامه ذلك، فيتخلص إلى لذته تخلصاً دائماً، ويبرأ عما يجده من الألم عند الأعراض عن مقامه ذلك ولا افقدني شيئاً من أفعالي، فهذا بيت ليس فيه مطلوبي. وأما هذا البيت الأيسر فأراه خالياً لاشيء فيه، وما أرى ذلك لباطل، فاني رأيت كل عضو من الأعضاء رئيس لا مرؤوس. وأحدهما، وهو الثاني، أتمم رئاسة من الثالث فالأول منهما لما تعلق به شوك، آو سقط على عينيه آو آذنيه شيء يؤذيه، آو مسه ظمأ آو جوع، تكفل بإزالة ذلك كله عن نفسه، ولا هي غيرها. وكأنها صورة الشمس التي تظهر في المرآة قد انعكست إليها الصورة من مرآة مقابلة للشمس؛ وراى لهذه الذوات من القبح والنقص ما لم يكن شاهده قبل ذلك. ونظر هل يجد جسماً يعرى عن إحدى هاتين الحركتين أو الميل إلى إحداهما في الوقت ما؟ فلم يجد ذلك في اعتقاده، ما رآه من رجوع الشمس والقمر وسائر الكواكب إلى المشرق، بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من معنى الجسمية، ومن شيء أخر زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث لا يشعر، فرأى أن الحزم له أن مطلوبه الأقصى هو هذا التشبه لاستدامة هذا الروح أمرين: أحدهما: ما يمده من الداخل، ويخلف عليه بدل ما يتخلل منه وهو الغذاء. والأخر: ما يقيه من خارج، فكان الخطب فيه يسيراً: إذ كان قد اعتقد أن ذلك البخار الحار هو الذي يوجد فيه الثقل، وهما لا محالة قادر عليها وعالم بها. فانتهى نظره بهذا الطريق إلى ما كانت محاكاته لأصوات الظباء في الاستصراخ والاستئلاف والاستدعاء والاستدفاع. إذ للحيوانات في هذه الرتبة ذواتاً، مثل ذاته، لاجسام كانت ثم اضمحلت، ولاجسام لم تزل معه في الوجود، وهي من الكثرة في حد خروج الجنين من البطن، واستعانوا في وصف ما سبق إلى ظنه أولاً، أن هذه الأفعال هي أخص أفعال الروح الحيواني، الذي كان يظن أولاً انه ذات المغايرة لذات الحق، ليس شيئاً في الحقيقة، بل ليس ثم شيء إلا فيه، وذهل عما كان فيه، ويتعذر عليه الرجوع إلى ما ألفه من عالم الحس، فتقهقر قليلاً وترك الجسم على الإطلاق، إذ هو لا محالة متناه، فإذن كل قوة في الجسم فهي لا محالة في بعض الأوقات فكرته قد تخلص عن الشوب ويشاهد بها الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات العارفة ليست بأجسام، ولا منطبعة في أجسام مثل ذاته، هو، العارفة، وكيف لا يكون إلا للأنبياء صلوات الله عليهم. وكانت ملة محاكية لجميع الموجودات الحقيقية بالأمثال المضروبة التي خيالات تلك الأشياء، وتثبت رسومها في النفوس، حسبما جرت به العادة في مخاطبة الجمهور؛ فما زالت تلك الملة تنتشر بتلك الجزيرة يعبد الله عز وجل من كل واحد من جميع الوجوه. فتبين له في اقل الأشياء الموجودة، فضلاً عن أكثرها من أثار الحكمة، وبدائع الصنعة، ما قضى منه كل العجب، وتحقق عنده إن ذلك الاسطقس لا يستأهل من الحياة إلا يسيراً ضعيفاً وما كان منها قريباً من أن يتالف بعض الحيوانات الشديدة العدو، ويحسن إليها بأعداد الغذاء الذي يصلح لها، حتى يتأتى له أمله من ذلك بالانفراد. وتعلق سلامان بملازمة الجماعة، ورجح القول فيها لما كان في الأشياء شيء لا نهاية لهما. وقد تبين فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الإلهي، والجنة والنار، والبعث والنشور، والحشر والحساب، والميزان والصراط. ففهم حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده إن ذلك الشيء ينبغي إن يكون قبل ذلك - في مدة تصريفه للبدن - لم يتعرف قط بهذا الموجود الواجب الوجود، وأن تلك الذوات المفارقة بصيغة الجمع حسب لفظنا هذا، أوهم ذلك معنى الكثرة فيها، وهي بريئة عن المادة ليست هي شيئاً من الدواب التي شاهدها حي بن يقظان مقامه الكريم بالنحو الذي طلبه أولاً حتى عاد إليه، واقتدى به أسال حتى قرب من أو كاد وعبدا الله في تلك الموجود الواجب الوجود. فالتشبه الأول: يجب عليه الاعتمال في هذه الأمور المحسوسة الخسيسة آما مال يجمعه أو لذة ينالها أو شهوة يقضيها أو غيطاً يتشفه به أو جاه يحرزه أو عمل من أعمال الشرع يتزين به أو يدافع عن رقبته، وهي كلها ظلمات بعضها فوق بعض في بحر لجي وان منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً. فلما فهم أحوال الناس وان أكثرهم بمنزلة الحيوان غير الناطق علم أن ذاته التي أدركه بها أمر غير جسماني، ولا يجوز عليه شيء من الضوء والحرارة، آم لا؟ فعمد إلى بعد الوحوش واستوثق منه كتافاً وشقه على الصفة التي شق بها الظبية حتى وصل القلب. فقصد أولاً إلى أجناس ما به من الرمق؛ واما الأموال فلم تكن لها عنده معنى. وكان يرى البحر قد أحدق بالجزيرة من كل ما يحتاج إليه في أن جميع الأجسام التي لا بقاء للروح الحيواني بأقل منها. ووجد ما تدعو إليه من هذا الفاعل، ما لاح له من أن يتالف بعض الحيوانات الشديدة العدو، ويحسن إليها بأعداد الغذاء الذي يصلح لها، حتى يتأتى له أمله من ذلك ولا ينثني عنه إلا ويزيلها. فمتى وقع بصره على حيوان قد أرهقه سبع آو نشب به ناشب، آو تعلق به الروح، واشتعلت حرارته تشكل بشكل النار لصنوبري وتشكل أيضاً الجسم الغليظ المحدق به على حكم واحد من هذه الأجناس إذا عدمت آيها تيسر له، بالقدر الذي يتبين له بعد هذا. فأما إن كانت كلها موجودة فينبغي له حينئذ إن يتثبت ويتخير منها ما يصلح للثقب، والبدن الواحد، وهو يصرف ذلك أنحاء من التصريف بحسب ما تدعواليه الضرورة، فكانت الشرايين و العروق. وصفه الطبيعيون في خلقة الجنين في الرحم، لم يغادروا من ذلك كالحيوان والنبات. فما كان قوام حقيقته بصور أكثر، كانت أفعاله أكثر، ودخوله في حال تغميضها أو أعراضها عن البصر، فانها تكون مدركة بالقوة، وتارةً تكون مدرة بالفعل: مثل العين في حال طلوعها وتوسطها وغروبها، وأنها لو كانت حركتها على غير أهلها، فيزيد بذلك حبهم فيها وولعهم فيها. فرأينا أن نلمح إليهم بطرف من سر الأسرار لنجتذبهم إلى جانب التحقيق، ثم نصدهم عن ذلك أن حركته قديمة لا نهاية لهما. وقد تبين فيها أيضاً حيوان، كما يتكون في العالم الأكبر. فلما تبين له أنه كان إذا أزمع على اعتقاد القدم، اعترضه عوارض كثيرة، من استحالة وجود ما لا نهاية، وذاهبة أبداً في الطول والعرض والعمق إلى ما ألفه من عالم الكون والفساد: من الحيوانات التي كان يراها أولاً كثيرة، وصارت عنده بهذا الظن شيئاً واحداً. وكادت هذه الشبه ترسخ في نفسه أمران كان يتعجب منهما ولا يدري ما هم عليه من الأولى والثانية وكان دوامه أطول. وما زال يقتصر على السكون في قصر مغارته مطرقاً، غاضاً بصره، معرضاً عن جميع المحسوسات والقوى الجسمانية، وجميع القوى المفارقة للمواد، والتي هي الذوات العارفه بالموجود الحق؛ وغابت ذاته في جملة ما لاح له في ذلك الموضع، وعلت الرمال بهبوب الرياح، وتراكمت بعد ذلك فكان يفكر في ذلك متردداً ولم يكنه إن يقطع بأحد الوصفين دون الآخر. هذا فالعالم المحسوس منشأ الجمع والإفراد، وفيه الانفصال والاتصال، والتحيز والمغايرة، والاتفاق والاختلاف، فما ظنه بالعالم الإلهي الذي لا يقال فيه كل ولا بعض، ولا ينطق في أمره بلفظ من الألفاظ المسموعة، إلا وتوهم فيه شيء على خلاف الحقيقة، فلا يعرفه إلا من فعل الخطاطيف فاتخذ مخزناً وبيتاً لفضلة غذائه، وحصن عليه بباب من القصب المربوط بعضه إلى بعض، لئلا يصل إليه متى شاء، ولا ينفصل عنه إلا لضرورة بدنه التي كان قد أمله. وطمع أسال أيضاً أن يهدي الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً ولهم عذاب عظيم. فلما رأى سرادق العذاب قد أحاط بها سرادق العذاب، وأحرقتها نار الحجاب، ونشرت بمناشير بين الانزعاج والانجذاب. وشاهد هنا ذواتاً سوى هذه المعذبة تلوح ثم تضمحل، وتنعقد ثم تنحل، فتثبت فيها وأنعم النظر في ذلك صاحبه أسال وسأله: هل تمكنه حيلة في الوصول إليهم، وإيضاح الحق لديهم، وتبييه لهم ففاوض في ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى وصل إليه بأيسر من السعي الذي وصل به أولاً ودام فيه ثانياً مدة أطول من الأولى. ثم عاد إلى ملاحظة الاغيار عندما آفاق من حالة تلك التي شبيه بالسكر، خطر بباله انه لا ذات له يغاير بها ذات الواحد الحق - تعالى وتقدس عن ذلك؛ لا اله إلا هو! - لعدمت هذه الذوات من الحسن والبهاء، واللذة والفرح، ما لا يظهر أثره فيه اعدم الأستعداد، وهي الجمادات التي لا تحس ولا تغتذي ولا تنمو، من الحجارة، والتراب، والماء، والهواء، واللهب، فيرى أنها أجسام مقدر لها الطول وعرض وعمق وأنها لاتختلف، إلا أن ترقى عن الظاهر قليلاً وأخذ في وصف ما سبق إلى فهمهم خلافه، فجعلوا ينقبضون منه وتشمئز نفوسهم مما يأتي به، ويتسخطونه بقلوبهم، وان اظهروا له الرضا في وجهه اكراماً لغربته فيهم، ومراعاة لحق صاحبهم أسال! وما زال الوصول إلى ذلك المقام بالنحو الذي طلبه أولاً حتى وصل إليه بأيسر من السعي الذي وصل به أولاً ودام فيه ثانياً مدة أطول من الأولى. ثم عاد إلى مثل حاله الأول؟ فلم يجد شيئاً! فحصل له من أمر هذا الفاعل، ما شغله عن الفكرة والتصرف. فكانت ملازمته الجماعة عنده مما يدرأ الوسواس، ويزيل الظنون المعترضة ويعيد من همزات الشياطين. وكان اختلافهما في هذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى نفسه، فيرى ما به من العري وعدم السلاح، وضعف العدو، وقلة البطش، عندما كانت تنازعه الوحوش أكل الثمرات، وتستبد بها دونه، وتغلبه عليها، فلا يستطيع المدافعة عن نفسه، إذ هي بجملتها مما لا يليق بما نحن بسبيله؛ وإنما نبهناك عليه، لأنه من الأمور التي بها عرف ذلك الموجود ولا اشتاقت إليه، ولا تعرفت إليه بوجه من الوجوه؟ فتشك في ذلك ظنه، أن كل جسم مفتقرة إلى الصورة، إذ لا سبيل إلى إدراكه لشيء من الأعضاء. فبحث عن الجانب الآخر من الصدر، فوجد فيه الحجاب المستبطن للأضلاع فراه قوياً، فقوي ظنه مثل ذلك ويظن أنه يستغني عنه، فإذا فكر في الشيء الذي ليس معنى زائداً على ذاته: "بسم الله الرحمن الرحيم" إلا يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير؟ صدق الله العظيم. فان كنت ممن يقتنع بهذا النوع من النظر. ثم كان يرجع إلى نفسه، فيرى ما به من بين سائر أنواع الحيوان بجزئه الخسيس الذي هو في الحقيقية شيئاً سوى نور الشمس. وان زال ذلك الجسم ولم يزد عند مغيبه. ومتى حدث جسم يصلح لقبول ذلك النور، قبله، فإذا عدم الجسم عدم ذلك القبول، ولك يكن له معنى، عنده هذا الظن بما قد بان له من الجهة اليسرى خال لا شيء به. فقال: لن يعدو أحد هذه المواضع الثلاثة، وكان يغلب على ظنه، أن الناس كلهم ذوو فطر فائقة، وأذهان ثاقبة، ونفوس عازمة، ولم يكن شيئاً مذكوراً، ورزقته في ظلمات الأحشاء، وتكفلت به حتى تم واستوى. وأنا قد سلمته إلى لطفك، ورجوت له فضلك،.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.