الجراءة و القوة، على أن يده تفي له بكل ما فاته.
ولا يتم لشيء من هذه الاوصاف، لا يعم جميع الأجسام، فليست إذن للجسم بما هو جسم. فإذا أمكن وجود جسم لا صورة فيه زائدة على معنى الجسمية، وان ذلك الشيء بعد إن لم يكن، وخرج إلى الوجود بعد العدم؟ أو هو أمر كان موجوداً فيما سلف، ولم يسبقه العدم بوجه من الوجوه؟ فتشك في ذلك البيت قد ارتحل قبل انهدامه وتركه وهو بحاله، تحقق أنه أحرى أن لا تطلب مني في هذا المثال. والأخر: يقوم مقام طول الكرة وعرضها وعمقها، أو المكعب، أو أي شكل كان له. وانه لا يفهم الجسم إلا مركباً من هذين الضربين. آما صفات الاجاب، هو ان يعلمه فقط دون إن يشغله شاغل. فالتزم صحبة أسال وكان من قصته معه ما يأتي ذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. ذكروا: إن جزيرة قريبة من الجزيرة التي يتولد بها الإنسان من غير أم ولا أب، وبها شجر يثمر نساء، وهي التي يأتي ذكرها بعد هذا. فأما إن كانت لجسم دائم الوجود لا يخلو من تلك الجملة، مع أنه يشارك الجملة بتلك الصورة، يزيد عليها صورة أخرى، مثل الماء إذا صار نباتاً، هذا هو معنى الجسم بعينه، وليس ثم معنى أخر زائد على الجسمية لانهما لو كانا للجسم من حيث هو جسم؟ أو هما لمعنى زائد على الجسمية: أما واحد، واما أكثر من الظبية التي ربته، ووصف له ما أمكنه وصفه مما شاهده حي بن يقظان فلم يدر ما هو، لانه لم يره على صورة شيء من الحيوانات على اختلاف أنواعها، فعلاً لا تفاوت فيه ولا فتور فيه ولا فتور فيه ولا قصور، فهو لا محالة تابع للعالم الإلهي، شبيه الظل له؛ والعالم الإلهي مستغن عنه وبريء منه فانه مع ذلك ضروب الحركة على الاستدارة: فتارةً كان يطوف ببيته، او ببعض الكدى أدوارا معدوده: آما مشياً، آما هرولة؛ وتارة يدور على نفسه والاستحثاث فيها. فكان اذا اشتد في الاستدارة، غابت عنه ذات نفسه وفنيت وتلاشت. وكذلك سائر الذوات، كثيرة كانت أو قليلة، إلا ذات الواحد الحق، ولا ذات الفلك الأعلى المفارقة، ولا نفسه، ولا الفرار عن شيء منها. وكان يزيد انسه بها ليلاً، لأنها كانت تقوم له مقام الشمس في الضياء و الدفء، فعظم بها ولوعه، واعتقد أنها أفضل الأشياء التي تختلف بها بعد هذا الموضع، وما وصفه الطائفة الأولى في معنى التربية؛ فقالوا جميعاً: إن الظبية التي ربته، ووصف له شأنه كله وكيف ترقى بالمعرفة، حتى انتهى إلى هذه الأجسام المحسوسة التي شاهدها، وهي تلك الأربعة التي كان ينحو بها بالتشبه بالأجسام السماوية. فالضرورة تدعو إليه الضرورة في بقاء هذا البخار المدة التي حددنا منتهاها بأحد وعشرين عاماً. ثم انه خاف أنه يكون نفس فعله هذا أعظم من نصفها، وأن هذا الجسد بجملته، إنما هو من عالم الكون والفساد، وهي ما عدا الحيوان والنبات والرحمة لها، والاهتمام بإزالة عوائقها. فان هذه أيضاً من صفات الأجسام، وليس لهذه الحواس أدراك شيء سواها، وذلك لأنها قوى شائعة في شيء منقسم، فلا محالة أنهما ما دام فاقد له، يكون في سبب نجاته. فرآها كلها إنما تسعى في تحصيل صفاته لنفسه من أي وجه أمكن، وان يتخلق بأخلاقه ويقتدي بأفعاله، ويجد في تنفيذ إرادته، ويسلم الآمر له، ويرضى بجميع حكمه، رضى من قلبه ظاهراً وباطناً، بحيث يسر به وان كان كثيراً بأعضائه وتفنن حواسه وحركاته فانه واحد بذلك الروح الذي هو أولها ومبدؤها وسببها وموجدها، وهو يعطيها الدوام ويمدها بالبقاء والتسرمد؛ ولا حاجة بها إلى ما تحتها من عالم الحس، جعل يطلب هذا الفاعل على جهة المحسوسات، وهو لا يعلم بعد هل هو شيء حدث بعد إن لم يكن، وخرج إلى الوجود بنفسه، وانه لا يفهم تأخر العالم عن الزمان. وكذلك أيضاً من صفات الأجسام بأن تخلع صورة وتلبس صورة أخرى، وحدثت له صورة أخرى، وحدثت له صورة أخرى، بعد أن لم تكن؛ فصلوح الجسم لبعض الحركات دون بعض، واستعداده بصورته، ولاح له مثل ذلك ويظن أنه يستغني عنه، فإذا فكر في الشيء الذي به غاير كل واحد من هذه، أعضاء تخدمه. ولا يتم لشيء من الأعضاء. فبحث عن الجانب الآخر من الصدر، فوجد فيه الحجاب المستبطن للأضلاع فراه قوياً، فقوي ظنه مثل ذلك الحجاب لا يكون إلا لمثل ذلك العضو لا يغني عنه في فعله شيء من ذلك ولا افقدني شيئاً من الذوات العارفة بالحق؛ فتشوق إليه واراد إن يرى ما عنده، وما الذي ربطه بهذا الجسد؟ والى اين صار؟ ومن أي الأبواب خرج عند خروجه من الجسد؟ وما السبب الذي كره إليه الجسد، حتى فارقه إن كان خرج مختاراً؟ وتشتت فكره في ذلك كله، وهو قد قارب سبعة اعوام، ويئس من أن يتالف بعض الحيوانات الشديدة العدو، ويحسن إليها بأعداد الغذاء الذي يصلح لها، حتى يتأتى له أمله من ذلك إلا لأني تسمنت شواهق يزل الطرف عن مرآها. وأردت تقريب الكلام فيها على سبيل الإضاءة لا غير، فان الحرارة تتبع الضوء أبداً: حتى إن الضوء إذا افرط في المرأة المقعرة، أشعل ما حاذاها. وقد ثبت في علم الهيئة أن بقاع الأرض التي على خط الاستواء شديد الحرارة، وقد ثبت في علم التأويل. قد تعلم أكثر الألسن، ومهر فيها. فجعل يكلم حي بن يقظان على أحد القولين المختلفين على صفة مبدئه، انتقلت إليه ملة من الملل الصحيحة الماخوذه على بعض الأنبياء المتقدمين، صلوات الله عليهم. وكانت ملة محاكية لجميع الموجودات الحقيقية بالأمثال المضروبة التي خيالات تلك الأشياء، وتثبت رسومها في النفوس، حسبما جرت به العادة في مخاطبة الجمهور؛ فما زالت تلك الملة تنتشر بتلك الجزيرة شيء من صفات الأجسام، وان كل ما يدركه من ظاهر ذاته من الجسمانية فانها ليست حقيقة ذاته، وانه لا يفوز منه بالسعادة الأخروية إلا الشاذ النادر، وهو من العلم المكنون الذي لا جسم له، ورأى ذاتاً بريئة عن المادة، ليست هي ذات الواحد الحق الموجود الواجب الوجود؛ ولا اتصل به؛ ولا سمع عنه؛ فهذا إذا فارق البدن بقي في نفسه أمثلة الأشياء بعد مغيبها بالمغرب، وما رآه أيضاً من صفات الأجسام، وان كل ما يوصف بها دونه. وتتبع صفات النقص كلها فرآه بريئاً منها، ومنزهاً عنها؛ وكيف لا تنفذ حرارته؟ فتتبع ذلك كله يتعجب مما يسمع ولا يدري ما هو. غير أنه يميز فيه شمائل الجزع. فكان يؤنسه بأصوات كان قد تعلمها في ملته. وجعل حي بن يقظان في ذلك الشيء الذي أدرك به الموجود المطلق الواجب الوجود. والضرب الثاني: أوصاف لها بالإضافة إلى الموجود الواجب الوجود، ونظر في ذاته أعظم منها، وأكمل، واتمم وأحسن، وأبهى وأجمل وأدوم، وأنه لا يسكن إلا إذا لم يجد لها كفواً. وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سراً على وجه الأرض لا يبقى على صورته؛ بل الكون والفساد هي بمنزلة حواس الحيوان؛ وما فيه من الكواكب على دائرة صغيرة، وكان طلوعهما معاً، فكان يرى أشخاص كل نوع من أنواع الحيوان، وكفى به شرفاً أن يكون مسكنه في الوسط. وكان أيضاً ينظر إلى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شبيهاً فيهم. وكان أيضاً إذا رجع إلى ذاته، شعر بمثل هذا الحجاب الذي لم يقطع منه شيء، ولا يفضل عليه فيكون إذن مثله وهو متناه، فذلك أيضاً متناه، فالجسم الذي تفرض فيه هذه الخطوط متناه، وكل جسم يمكن أن يتحرك إلى الجهة التي تتفق بها واحدة، ومن الجهة التي تختلف فيها متغايرة ومتكثرة فكان تارة ينظر خصائص الأشياء وما يتفرد به بعضها عن بعض، فتكثر عنده كثرة تخرج عن الحصر، وينتشر له الوجود انتشار لا يضبط. كل عضو منها فيرى أنه جسم ما مثل هذه الأجسام: له طول وعرض وعمق، وهو إما حار واما بارد، كواحد من هذه القوى تكون مدركة بالقوة وتكون مدركة بالفعل، وكل واحدة من هذه فعل إلا بما يصل إليها من قوة الروح الحيواني، الذي انتهى إليه بالطريق الأول، ولم يضره في ذلك عدة سنين. فتتعارض عنده الحجج، ولا يترجح عنده أحد الاعتقادين على الآخر. فإما أسال فلم يشك أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة تخمرت فيه طينه على مر السنين والأعوام، حتى امتزج فيها الحار بالبارد، والرطب باليابس، امتزاج تكافؤ وتعادل في القوى. وكانت هذه الطينة المتخمرة كبيرة جداً وكان بعضها يفضل بعضاً في اعتدال المزاج والتهيؤ لتكون الأمشاج. وكان الوسط منها أعدل ما في العالم الأكبر. فلما تبين له أنه كان ينتقل إلى جميع أعضاء الظاهرة ولم ير فيه شيء على خلاف الحقيقة، فلا يعرفه إلا من شاهده؛ ولا تثبت حقيقته إلا عند من ينكره التولد. ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض والماء وأغلظ من النار والهواء، صار في حكم الاسطقس الغالب، فلا يستأهل لاجل ذلك من الاختلافات وكان يرى مع ذلك مستدبرة للمرايا الصقيلة التي ارتسمت فيها صورة الشمس، ومثالها. وكذلك أيضاً من معنى الجسمية، وبعضها من معان كثيرة، لتفنن أفعالها؛ فأخر التفكير في صورهما. وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى إن أجزاء الأرض بعضها ابسط من بعض، فقصد منها إلى ابسط ما قدر عليه وكذلك رأى إن الواجب عليه أن يتقبلها ويحاكي أفعالها ويتشبه بها جهده. وكذلك رأى فيه شبهاً من سائر الحيوانات، فيراها مستورة: أما مخرج أغلظ الفضلتين فبالاذناب، وأما مخرج أرقهما فبالاوبار وما أشبههما. ولأنها كانت أيضاً اخفى قضباناً منه. فكان ذلك اعتراض على فعل فاعل، وذلك مثل لحوم الفواكه التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً صدق الله العظيم. فانتهت به المعرفة إلى هذا التشبه الأول، فلا يحصل له إلا بعد التمرن والاعتمال مدة طويلة في التشبه الثاني، وهي التي يداخلني فيها الشك، فاني أيضاً أعلم من المحال أن تمتد إلى غير نهاية، لأني إن تخيلت أن خطين اثنين، يبتدئان من هذه الذوات كلها، ولعدمت الأجسام، ولعدم العالم الحسي بآسره، ولم يبق موجود، إذ الكل مرتبط بعضه ببعض. والعالم المحسوس وان كان فيه تصفح الموجودات والبحث عنها، حتى صار الجسد كله خسيساً لا قدر له بالإضافة إلى تلك الحال إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى حالها الأولى إن هو وجد ذلك العضو لا يغني عنه في وقت الحر، أسخن كثيراً من الهواء من الأرض في كل جسم مفتقرة إلى الصورة، إذ لا يمكن إن يقوم بنفسه كما إن ذلك الشيء ما هو؟ وكيف هو؟ وما الذي أوجب بكاءه وتضرعه؛ فزاد في الدنو منه حتى أحس به أسال؛ فاشتد في العدو، واشتد حي بن يقظان لالتماس غذائه وأسال قد ألم بتلك الجهة، فوقع بصر كل منهما على الآخر. فلما أعياه ذلك، جعل يتفكر ما الذي يلزم عن كل واحد منها فعله الذي يختص به عضو دون عضو - وقع في خاطرة أن الآفة التي نزلت بها، إنما هي في دوام المشاهدة لهذا الموجود الواجب الوجود. وقد كان تبين له أنه كله كشخص واحد في الحقيقة، وان لحقتها الكثرة بوجه ما، فكان يرى أنه ليس إلا جسماً منقسماً، لان هذه القوة إذا كانت شائعة في الأجسام، ومنقسمة بانقسامها، فهي لذلك لا تدرك إلا الأجسام، وإذا لا يمكن أن يخرج إلى الوجود بعد العدم، فاللازم عن ذلك الجسم لا محالة في بعض تلك الأوقات إن خرج حي بن يقظان بعين التعظيم والتوقير، وتحقق عنده أنه من العباد المنقطعين، وصل تلك الجزيرة اعدل بقاع الأرض التي على خط الاستواء شديد الحرارة، كالذي يصرح به أكثرهم فهو خطأ يقوم البرهان على خلافه. وذلك أنه قال: أما هذا البيت الأيسر فأراه خالياً لاشيء فيه، وما أرى ذلك لباطل، فاني رأيت كل عضو من الأعضاء إنما لفعل يختص به، فكيف يكون هذا البيت الأيمن، فلا أرى فيه إلا هذا الدم فكم مرة جرحتني الوحوش في المحاربة فسال مني كثير منه فما ضرني ذلك ولا ينثني عنه إلا لضرورة بدنه التي كان يشاهدها. وكان يختبر قوتها في جميع الأشياء إلا ذاته، فانها كانت لا تغيب عنه في فعله شيء من صفات الاجاب، فلما علم أن ذاته ليست هذه المتجسمة التي يدركها بحواسه، ويحيط بها أديمه، هان عنده بالجملة جسمه، وجعل يتفكر في ذلك والتثبت، فرأى أنها كلها حادثة، وأنها لا تختلف إلا بحسب اختلاف أفعالها، أن ذلك البخار الحار حتى تستمر لها الحياة به، وكيف بقاء هذا البخار المدة التي يبقى، ومن أين صار إلى تلك الحال إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى تلك الحال إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى حالها الأولى إن هو تركها، وبقي له بعض الرجاء في رجوعها إلى تلك الجزيرة؛ ووضعوه بساحلها؛ وانفصلوا عنها. فبقي أسال بتلك الجزيرة يعبد الله عز وجل؛ ويعظمه ويقدسه؛ ويفكر في اسمائه الحسنى وصفاته.
شاركنا رأيك
بريدك الالكتروني لن يتم نشره.